
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
◘◘◘ قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]
وهذه القاعدة تكررت بنصها في موضعين من كتاب الله تعالى:
◄الموضع الأول في سورة النحل، يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 43، 44].
◄في سورة الأنبياء، يقول سبحانه وتعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].
وكلا الآيتين جاء في سياق إرشاد الكفار ـ المعاندين والمكذبين ـ إلى سؤال من سبقهم من أهل الكتاب، وفي هذا الإرشاد إيماء واضح إلى أن أولئك المشركين المعاندين لا يعلمون، وأنهم جهال، وإلا لما كان في إرشادهم إلى السؤال فائدة.

◘◘◘ يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم): وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا ، أي: لست ببدع من الرسل، فلم نرسل قبلك ملائكة ، بل رجالا كاملين ، لا نساء . نُوحِي إِلَيْهِمْ من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد ، من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم، (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي : الكتب السابقة (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) نبأ الأولين ، وشككتم : هل بعث الله رجالا. ؟ فاسألوا أهل العلم بذلك ، الذين نزلت عليهم الزبر والبينات ، فعلموها وفهموها، فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى .
◘◘◘ يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم): وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الأمم، للدعاء إلى توحيدنا ، والانتهاء إلى أمرنا ونهينا، إلا رجالا من بني آدم نوحي إليهم وحينا لا ملائكة، يقول: فلم نرسل إلى قومك إلا مثل الذي كنا نرسل إلى من قَبلهم من الأمم من جنسهم وعلى منهاجهم ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) يقول لمشركي قريش: وإن كنتم لا تعلمون أن الذين كنا نرسل إلى من قبلكم من الأمم رجال من بني آدم مثل محمد (صلى الله عليه وسلم )وقلتم: هم ملائكة: أي ظننتم أن الله كلمهم قبلا فاسألوا أهل الذكر ، وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنـزلها على عباده.

◘◘◘ الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم ، حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.
وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى: وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي: القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة ، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ ، وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه، وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيه ، فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه. (تفسير السعدي - 1 / 441).

◘◘◘ إن قوله تعالى{فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} يدل على :
◄ الأمر الأول :أن المسلمين ينقسموا إلى قسمين قسم هم أهل العلم ،وقسم هم ليس من أهل العلم وهم الذين يسمون بالعوام.
◄ الأمر الثاني :الذي تدل عليه هذه الآية أن وظيفة أهل العلم هي البيان والإيضاح،ووظيفة العوام هي الرجوع فيما يشكل عليهم إلى أهل العلم.
◄الأمر الثالث:الذي تدل عليه هذه الآية تدل على أن أهل العلم هم أهل العلم بالذكر، والمراد بالذكر القرآن والسنة على ضوء فهم السلف الصالح فمن كان من أهل العلم موصوفا بالعلم في القرآن والحديث واتباع ما عليه آثار السلف الصالح فهو من أهل العلم الذين عناهم الله سبحانه وتعالى في الآية.
◄ الأمر الرابع: تدل على أنه ليس من حق العامة التقدم على العلماء بل الواجب على العامة اتباع العلماء فإذا ما بين العلماء أمرا لزم على العامة اتباعهم والأخذ بقولهم ولا يجوز للعامي إذا استفتى عالما أن يخالف الفتوى التي سمعها من العالم في حقه إلا إذا خالفت الفتوى أية أو حديثا أو إجماعا صحيحا .
◄الأمر الخامس :الذي تدل عليه هذه الآية { فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
أن الذين لا يرجعون إلى أهل الذكر ويتبعون أهواءهم ويتبعون شهواتهم أو يتبعون أناسا ليسوا عند أهل العلم من أهل الذكر فإنما هم يجرون على غير أمر الله قال تعالى{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } (النور)

◘◘◘ وإذا تأملت ـ من سورة النحل والأنبياء، خرجت منها بأمور:
◄عموم هذه القاعدة فيها مدح لأهل العلم.
◄وأن أعلى أنواعه: العلمُ بكتاب الله المنزل، فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث.
◄أنها تضمنت تعديل أهل العلم وتزكيتهم، حيث أمر بسؤالهم.
◄أن السائل والجاهل يخرج من التبعة بمجرد السؤال، وفي ضمن هذا: أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.
◄كما أشارت هذه القاعدة إلى أن أفضل أهل الذكر أهلُ هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم.
◄الأمرُ بالتعلم، والسؤالُ لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.
◄وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك.
◄وفي هذه القاعدة دليل واضح على أن الاجتهاد لا يجب على جميع الناس؛ لأن الأمر بسؤال العلماء دليل على أن هناك أقواماً فرضهم السؤال لا الاجتهاد، وهذا كما هو دلالة الشرع، فهو منطق العقل ـ أيضاً ـ إذ لا يتصور أحدٌ أن يكون جميع الناس مجتهدين.

◘◘◘ أن المقرر في علم أصول التفسير: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فهذه الآية وإن كان سببها خاصاً بأمر المعاندين أن يسألوا عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر ـ وهم أهل العلم ـ فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين: أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علمٌ منها وبها، فعليه أن يسأل من يعلمها.
وهذا من الوضوح بمكان، بحث لا يحتاج إلى استطراد، إلا أن الذي يحتاج إلى تنبيه وتوضيح هو ما يقع من مخالفة هذه القاعدة في واقع الناس، وخرقٍ للآداب التي تتعلق بهذا الموضوع المهم، ومن صور ذلك:
◄أنك ترى بعض الناس حينما تعرض له مشكلة أو نازلة، واحتاج إلى السؤال عنها سأل عنها أقرب شخص له، ولو لم يعلم حاله، هل هو من أهل العلم أم لا.؟
وبعض الناس يعتمد على المظاهر، فإذا رأى من سيماه الخير ظنّ أنه من طلاب العلم أو العلماء الذين يستفتى مثلهم !.
وكل ذلك غلط بيّن، ومخالف لما دلت عليه هذه القاعدة المحكمة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}!
ولا أدري، ماذا يصنع هؤلاء إذا مرض أحدهم.؟
أيستوقفون أول مارٍّ عليهم في الشارع فيسألونه أم يذهبون إلى أمهر الأطباء وأكثرهم حذقاً.؟
ولا أدري ماذا يصنع هؤلاء إذا أصاب سيارته عطل أو تلف.؟
أيسلمها لأقرب من يمر به.؟
أم يبحث عن أحسن مهندس يتقن تصليح ما أصاب سيارته من تلف.؟
إذا كان هذا في إصلاح دنياه، فإن توقيه في إصلاح دينه أعظم وأخطر.!
قال بعض السلف: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
◄ ليس العار أن تكون جاهلاً, لكن العار أن تبقى جاهلاً, وليس العار أن تكون مخطئاً, لكن العار أن تبقى مخطئاً.

◘◘◘ لا تستطيع أن تدخل على طبيب, إلا وفي جيبك مال, ولا أن تطرق باب محام, إلا وفي جيبك مال, ولن تستطيع أن تدخل في الأرض على مؤسسة, أو سوق, أو محل, أو مكتب, إلا وفي جيبك مال, إلا إذا دخلت بيوت الله, تدخل, وتسأل, وتسأل, ويُجاب لك بلا مقابل, لأن الله سبحانه وتعالى سيعطي هؤلاء الذين يعني طلبوا العلم, وعلموا العلم أجراً كبيرا, هم يحتسبون أجرهم عند الله, ما دامت القضية قضية سؤال.
لماذا تبخل في السؤال.؟
اسأل: ما حكم الشرع في هذا الموضوع.؟
ماذا ينبغي أن أفعل.؟
ما الذي يرضي الله عز وجل.؟
ما هي سنة النبي في هذا الموضوع.؟

◘◘◘ صور مخالفة القاعدة◘◘◘
◄عدم التثبت في الأخذ عن أهل الذكر حقاً، ذلك أن المنتسبين للعلم كثرٌ، والمتشبهين بهم أضعاف ذلك، ومن شاهد بعض من يظهرون في الفضائيات أدرك شيئاً من ذلك؛ فإن الناس ـ بسبب ضعف إدراكهم، وقلة تمييزهم ـ يظنون أن كلّ من يتحدث عن الإسلام عالمٌ، ويمكن استفتاؤه في مسائل الشرع.!
ولا يفرقون بين الداعية أو الخطيب وبين العالم الذي يعرف مآخذ الأدلة، ومدارك النصوص.
فظهر ـ تبعاً لذلك ـ ألوان من الفتاوى الشاذة، بل والغلط الذي لا يحتمل، ولا يُقْبَل، وكثر اتباع الهوى وتتبع الرخص من عامة الناس، فرقّت أديانهم، وضعفت عبوديتهم، بأسباب من أهمها فوضى الفتاوى التي تعج بها كثير من الفضائيات.

◘◘◘ المأثور عن السلف ـ رحمهم الله ـ في شأن الفتوى وخطورتها، وهي نصوص ومواقف كثيرة، منها ما رواه ابن عبد البر رحمه الله: أن رجلاً دخل على ربيعة بن عبد الرحمن ـ شيخ الإمام مالك ـ فوجده يبكي. !
فقال له: ما يبكيك.؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أمصيبة دخلت عليك.؟
فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له.!
وظهر في الإسلام أمر عظيم.! قال ربيعة: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق.
◘◘◘ فكيف لو رأى ربيعة زماننا وإقدام من لا علم عنده على الإفتاء مع قلة خبرته وسوء سيرته وشؤم سريرته.؟ وإنما قصده السمعة والرياء ومماثلة الفضلاء والنبلاء والمشهورين المستورين، والعلماء الراسخين والمتبحرين السابقين، ومع هذا فهم يُنْهَون فلا ينتهون، ويُنَبّهون فلا ينتبهون، قد أملي لهم بانعكاف الجهال عليهم، وتركوا ما لهم في ذلك وما عليهم.

◘◘◘ يجب التنبيه على ضرورة تحري الإنسان في سؤاله، وأن لا يسأل إلا من تبرأ به الذمة، ومن هو أتقى وأعلم و أورع، فهؤلاء هم أهل الذكر حقاً الذين نصت هذه القاعدة على وصفهم بهذا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
◘ ◘◘ إن سألت اطلب الدليل, اسأل جهة أخرى, واطلب الدليل, ووازن بين الأدلة, فالذي دليله أقوى تتبعه.
إذاً: ليس العار أن تكون جاهلاً, العار أن تبقى جاهلاً, ليس العار أن تكون مخطئاً, العار أن تبقى مخطئاً.
هذه قضية متعلقة بالمنهج: افعل ولا تفعل, متعلقة بالفرض, والواجب, والسنة, والمباح, والمكروه, والحرام, لكن إن أردت أن تتعرف إلى الله, إلى الذات العلية, إلى أسماء الله الحسنى. قال: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾[سورة الفرقان الآية:59] .

◘◘◘ فالواجب على من لم يعلم أن يسأل من يعلم، كما أمر الله تعالى.
قال القرطبي: لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الانبياء:7].
ولم يختلفوا أن العامة لا يجوز لها الفتيا لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم.
وأما الحديث، فقد رواه الإمام أحمد في المسند، ولفظه: عن وابصة بن معبد قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: جئت تسأل عن البر والإثم.؟
قلت: نعم، قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. وقد تكلم أهل العلم في سنده.
وهو يدل على أن الله تبارك وتعالى فطر عباده المؤمنين على معرفة الحق والسكون إليه، وقبوله، وركز في طباعهم محبة ذلك والنفور عن ضده، وفي هذا المعنى جاء قول النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى:
◄ إني خلقت عبادي حنفاء مسلمين، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، فحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا.( رواه مسلم).
◄وقوله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. (رواه البخاري ومسلم ) .
◄وقول الله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم: 30].
فصاحب الفطرة السليمة إذا اشتبه عليه أمر هل هو حلال أم حرام، أو هو من البر أو الإثم، استفتى قلبه، فما سكن إليه القلب وانشرح له الصدر واطمأنت إليه النفس، فهو البر والحلال، وما كان خلاف ذلك، فهو الإثم والحرام.
أما من تلوثت فطرته بالهوى والشهوات، واقتراف المعاصي، فإنه يفقد هذه الحاسة ولم يعد يميز بين البر والإثم، وهذا في الأمور المشتبهة التي لم يرد فيها نص.
وأما ما جاء فيه نص من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فليس للمؤمن إلا اتباعه وطاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، ولا محل لاستفتاء القلب هنا، وميلُ النفس إلى غير النص، إنما هو اتباع للهوى، كما قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50].
وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم [الأحزاب: 36].
وإذا وجد المسلم في نفسه شيئا من ذلك، فيجب عليه أن يوطن نفسه على اتباع النصوص الشرعية والرضا بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله (صلى الله عليه وسلم).
فالآية الكريمة جاءت بالأمر بالسؤال لأهل العلم والاختصاص.
وأما الحديث، فهو فيما اشتبه على المسلم من أمر الحلال والحرام، أو البر والإثم، مما لم يرد فيه نص، وليس معناه أن يترك سؤال أهل العلم والتعلم للأحكام الشرعية أو ما يحتاج إليه ويعتمد على قلبه وما اطمأنت إليه نفسه دون الاهتداء بنصوص الوحي والاستعانة بأهل العلم.

◘◘◘ هناك عالماً يعرف, يعرف الله, وهناك عالم يعرف أمره, وهناك عالم يعرف خلقه, المتخصصون بالفيزياء, والكيمياء, والرياضيات, والطب, والهندسة, والفلك, وعلم النفس, وعلم الاجتماع, وما إلى ذلك هؤلاء يعرفون خلقه, والمتخصصون بعلم الشريعة يعرفون أمره, أما إن سألت أهل القرب من الله, الذين عرفوا الله, عرفوا كماله, عرفوا أسماءه الحسنى, عرفوا صفاته الفضلى, هؤلاء:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾[سورة الفرقان الآية:59]
فأنت تسأل بلا مقابل, وبلا رسم, وبلا أتعاب, بالعكس: لن تنتفع إلا من فئة واحدة, وُصفت في القرآن: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [سورة ياسين الآية:20]
﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[سورة ياسين الآية:21].
علامة المهتدي: أنه يحتسب جهده عند الله, لا يسألك أجرا:
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾.
[سورة آل عمران الآية:18].
معنى العالم حقيقة: هو الذي يبين لك عدالة الله.
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾.
[سورة الأحزاب الآية:39].
لو أنهم خافوا من غير الله, فسكتوا عن الحق, وخافوا من غير الله, فنطقوا بالباطل, ماذا بقي من دعوتهم.؟ انتهت دعوتهم؛ فاسأل الذي لا يسألك أجرا, واسأل الذي يبين لك كمال الله عز وجل, واسأل الذي لا يخاف في الله لومة لائم:
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) [سورة السجدة الآية:24].

◘◘◘هناك آيات كثيرة ترشدك إلى من ينبغي أن تسأل.؟
ينبغي أن تسأل المطبق, لأن غير المطبق لا يستحق أن تسأل, ينبغي أن تسأل المخلص. فهذه آية مهمة جداً:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[سورة النحل الآية:43 ].