مفهوم التطرف والتنطع ..
التطرف في اللغة معناه الوقوف، أو الجلوس في الطرف،وأصل الكلمة في الماديات، ثم انتقل إلى المعنويات، كالتطرف في الدين،أو الفكر أو السلوك،وبهذا المعنى فإنه بعيد عن الوسط،وبالتالي أكثر تعرضاً للخطر والهلاك، وأبعد ما يكون عن الحماية والأمان، وهو يعني الغلو والتشدد والتنطع .
أي أن التطرف هو:" طلب نهاية الحد أي طرفه الأقصى والأبعد، وهو قريب من معنى الغلو في هذا.
فكل من تجاوز حد الاعتدال وغلا، يصح لغوياً تسميته بالمتطرف. جاء في المعجم الوسيط في معنى تطرف: ((تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط) ، كذلك التنطع والتشدد، وترك الرفق واستخدام العنف.
قال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثاً .
فيشير مفهوم التطرف"إلى حالة من التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه بوجود الآخرين، وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا بفتح نافذة للحوار مع الآخرين، وموازنة ما عنده بما عندهم، والأخذ بما يراه بعد ذلك أنصع برهاناً، وأرجح ميزاناً .
وقد قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "الآية 125 سورة النحل.
ومن مظاهر التطرف في المجتمعات الحديثة وأبرزها استخدام أساليب العنف بالمجتمعات الإسلامية وظهور الإرهاب المسلح الناتج عن التعصب الفكري، وترويع الآمنين بدعوى حراسة الدين، و"التعصب بصفة عامة هو حالة نفسية غير سوية وغشاوة فكرية" ، ينتج عنه سلوكيات تضر بالمحيطين بالمتعصب،وقد يرتبط التعصب بمرحلة عمرية بحياة الأفراد.
مفهوم الوسطية
إن الحديث عن الوسطية يستدعي الوقوف لتكوين مفهوم حول الماهية العلمية للوسطية، باعتبارها منهجاً شرعياً بعث به سائر الرسل عليهم الصلاة والسلام أولاً، وباعتبارها قانوناً يمثل أفضل صياغة للمعادلة بين العقل والنفس ثانياً .
وربما كان الاعتراف بصحة مفهوم الوسطية، وتأهيله للتأسيس والصياغة في العلم والعمل، يعد حقيقة مسلمة لا جدال حولها، بما أن "الوسطية هي الميزان والموازنة والتوازن بين الثبات والتغيير بين الحركة والسكون" .
والوسطية في العرف الشائع في زمننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين،ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد،ولا استكبار ولا خنوع ولا ذل ولا استسلام ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى،ولا تشدد أو إحراج،ولا تهاون ،ولا تقصير،ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى،ولا حقوق الناس،وهو معنى الصلاح والاستقامة .
يدل الصراط المستقيم على الوسطية في مفهومها الشرعي الاصطلاحي فمثلاً في سورة الفاتحة جعله الله طريق خيار الذين أنعم عليهم، وهو بين طريقي المغضوب عليهم والضالين،وفي سورة البقرة ذكره ثم ربطه بالوسطية، فقال:" يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " الآية 142 سورة البقرة
ولا تخرج معاني الوسطية عن:العدل والفضل والخيرية،والنِّصف والبينية،والتوسط بين طرفين، فقد استقر عند العرب أنهم إذا أطلقوا كلمة (الوسط) ،أرادوا معاني:الخير والعدل،والجودة والرفعة والمكانة العالية.
ولا يصح إطلاق مصطلح (الوسطية) على أمر إلا إذا توفرت فيه الملامح التالية :-
1- الخيرية: وهي تحقيق الإيمان الشامل، يحوطه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- الاستقامة:وهي لزوم المنهج المستقيم بلا انحراف، فالوسطية لا تعني التنازل أو التميع أبداً.
3- البينية: وذلك واضح في كل أبواب الدين، فالصراط المستقيم بين صراطي المغضوب عليهم والضالين.
4- اليسر: ورفع الحرج: وهي سمة لازمة للوسطية.
5- العدل والحكمة: وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الوسط بالعدل ، وذلك هو معنى الخيار؛ وذلك لأن خيار الناس: عدولهم.
وقد قال الله تعالى:- ((إنَّ اللَّهَ يَاًمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ)) الآية 90 سورة النحل
فالتوازن في الشريعة الإسلامية:النظر في كل الجوانب، وعدم طغيان جانب على آخر، وذلك باجتناب الغلو والجفاء..
وهكذا:فإن الوسطية سمة ثابتة بارزة في كل باب من أبواب الإسلام:في الاعتقاد، والتشريع، والتكليف، والعبادة، والشهادة والحكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والأخلاق والمعاملة، وكسب المال وإنفاقه، ومطالب النفس وشهواتها .
وبهذا المعني فإن الوسطية تفترض وجود الإفراط والتفريط، التحلل والتزمت. الإسراف والتقتير الخ... ولا يمكن تصور وسطية حيوية بدون تعددية، وإلا تصبح هي الوسطية الرياضية التي تعنى التوسط بين نقطتين أو أنها تتجمد في قالب واحد وتأخذ طابعاً ثبوتيا، وهو ما يتنافى مع حيوية ودينامية الإسلام .
فالحياة لاتعدو أن تكون واحدة من حالات ثلاث:إفراط في شيء،أي مبالغة فيه،أو تفريط في شيء،أي تقصير فيه،وحالة بين بين، وهي ما نسمِّيه بالاعتدال، فالمغالاة انحراف، كما أنّ الإجحاف انحراف و خير الأمور أوسطها .
فتؤدي الوسطية إلى نقاء النفس من الأدران الأخلاقية، والأحقاد القلبية وكل ما من شأنه إيقاد نار العداوة والبغضاء، وتؤدي إلى نظافة المجتمع من آفات الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وأمراض الأثرة والأنانية وحب الذات ولها غير ذلك فوائد كثيرة ينعم بها كل مجتمع هيمنت عليه الوسطية، وكانت سمته البارزة في تعامله وفي سلوكه وحياته .
ففي الاعتدال في الملبس مثلاً أثر اقتصادي على المجتمع بأسره حيث يقلل من النفقات غير الضرورية، ويوفر على المجتمع مالاً يمكن إنفاقه في مشروعات أخرى تعود عليه بالنفع، فهو من الناحية الاقتصادية دعامة لدفع عملية التنمية والبناء، وعليه يتوقف رافد أساسي في ضبط إهدار المال وصرفه في غير فائدة وبالإضافة إلى ما تنتجه العولمة من هيمنة طبقة الأغنياء على حساب الطبقة الفقيرة وتطبيق القوانين لصالح الأقوى، ونرى أحوالاً تنذر بالشر، وتعد مقدمات لانهيار الأخلاق، والمجتمعات والشعوب حيث الأنانية والشخصية والابتزاز وانتشار الفقر والجوع، وحيث تعيش مجتمعات بأكملها تعاني الفقر والمجاعات في الوقت الذي تلقي فيه الأطعمة في النفايات أو للحيوانات في كثير من الدول الغنية التي لا تشعر بحاجة الفقراء وضرورة مواساتهم،فمن أشد ما يسبب انهيار المجتمعات أن لا تشعر بحاجة الفقراء، وضرورة مواساتهم.